بعلمهم إليه ? ماذا جنت غير الضحايا الوحشية في قنبلتي "هيروشيما" . و"ناجازاكي" وغير الخوف والقلق الذي يؤرق جفون الشرق والغرب ويتهددهما بالتحطيم والدمار والفناء ? وبعد تلك الإشارة إلى الإنعام بمنة العلم على داود وسليمان , وحمدهما لله ربهما على منته وعرفانهما بقدرها وقيمتها يفرد سليمان بالحديث:
(وورث سليمان داود . وقال:يا أيها الناس علمنا منطق الطير , وأوتينا من كل شيء . إن هذا لهو الفضل المبين). .
وداود أوتي الملك مع النبوة والعلم . ولكن الملك لا يذكر في صدد الحديث عن نعمة الله عليه وعلى سليمان . إنما يذكر العلم . لأن الملك أصغر من أن يذكر في هذا المجال !
(وورث سليمان داود)والمفهوم أنها وراثة العلم , لأنه هو القيمة العليا التي تستأهل الذكر . ويؤكد هذا إعلان سليمان في الناس: (قال:يا أيها الناس علمنا منطق الطير , وأوتينا من كل شيء). . فيظهر ما علمه من منطق الطير ويجمل بقية النعم مع إسنادها إلى المصدر الذي علمه منطق الطير . وليس هو داود . فهو لم يرث هذا عن أبيه . وكذلك ما أوتيه من كل شيء إنما جاءه من حيث جاءه ذلك التعليم .
(يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء). . يذيعها سليمان - عليه السلام - في الناس تحدثا بنعمة الله , وإظهارا لفضله , لا مباهاة ولا تنفجا على الناس . ويعقب عليها (إن هذا لهو الفضل المبين)فضل الله الكاشف عن مصدره , الدال على صاحبه . فما يملك تعليم منطق الطير لبشر إلا الله . وكذلك لا يؤتي أحدا من كل شيء - بهذا التعميم - إلا الله .
وللطيور والحيوان والحشرات وسائل للتفاهم - هي لغاتها ومنطقها - فيما بينها . والله سبحانه خالق هذه العوالم يقول: (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم)ولا تكون أمما حتى تكون لها روابط معينة تحيا بها , ووسائل معينة للتفاهم فيما بينها . و ذلك ملحوظ في حياة أنواع كثيرة من الطيور والحيوان والحشرات . ويجتهد علماء هذه الأنواع في إدراك شيء من لغاتها ووسائل التفاهم بينها عن طريق الحدس والظن لا عن الجزم واليقين . فأما ما وهبه الله لسليمان - عليه السلام - فكان شأنا خاصا به على طريق الخارقة التي تخالف مألوف البشر . لا على طريق المحاولة منه والاجتهاد لتفهم وسائل الطير وغيره في التفاهم , على طريق الظن والحدس , كما هو حال العلماء اليوم . . .
أحب أن يتأكد هذا المعنى ويتضح لأن بعض المفسرين المحدثين ممن تبهرهم انتصارات العلم الحديث يحاولون تفسير ما قصه القرآن عن سليمان - عليه السلام - في هذا الشأن بأنه نوع من إدراك لغات الطير والحيوان والحشرات على طريقة المحاولات العلمية الحديثة . وهذا إخراج للخارقة عن طبيعتها , وأثر من آثار الهزيمة والانبهار بالعلم البشري القليل ! وإنه لأيسر شيء وأهون شيء على الله , أن يعلم عبدا من عباده لغات الطير والحيوان والحشرات ,