ونتعلم من هذا أن جميع الجماعات الإسلامية المنتسبة إلى أهل السنة والجماعة، لابد أن تجتمع على ثوابت الإسلام لا تشذ جماعة عن ذلك فثوابت الإسلام ثوابتها جميعاً، وفضلاً عن ذلك فإنه بالإضافة لهذه الثوابت المجمع عليها والتي يلتزمون بها لأنهم جميعاً مسلمون، إلا أن كل جماعة من هذه الجماعات لها ثوابتها التي تميزها عن غيرها، فما يميز جماعة الإخوان المسلمين عن غيرها هي ثوابتها والتي هي في إطار ثوابت الإسلام، ولهم أيضاً متغيراتهم حتى لا تصير الدعوة جامدة متحجرة، أو تفقد صلاحيتها لكل زمان ومكان، تلك الصلاحية التي علينا التحلي بها مادمنا نحمل رسالة الإسلام أمانة في أعناقنا، محافظين علهيا مضحين من أجلها.
كما أن الإسلام بأحكامه القطعية الثابتة والظنية المتغيرة علمنا كيف تتسع صدورنا لمساع الرأي الآخر في الأمور المتغيرة، لأنها مجال الاجتهاد وإبداء الآراء والإبداع مادام الجميع يلتزمون بثوابت الجماعة ولا يقتربون منها رغبة في التغيير.
وهكذا يتعلم أفراد الجماعة المسلمة كيف يكون الخلاف؟ وكيف يحترم الرأي الآخر، مادام في إطار ثوابت الجماعة، أما من يخرج على ثوابتها فلا قيمة لرأيه، ولا يؤبه لكلامه، لأنه حطم هذه الثوابت فلا يعتد به، ولا بقوله، كما لم يعتد أهل السنة والجماعة بالخوارج حين كفروا بالكبيرة، والمعتزلة حين قالوا بالمنزلة بين المنزلتين، والمرجئة حين قالوا: لاقدر والأمر أنف فخالفوا أهل السنة في ثوابتهم.
فأقوال الفقهاء المجتهدين – وهم المحافظون على الثوابت – بالنسبة للشريعة كمثل أغصان الشجرة، تتشعب وتتفرع، والأصل الذي انبعثت منه واحد، والذي تتغذى منه واحد، يغذى جميع الفروع والأوراق والأغصان المتفرعة، وهكذا جماعة المسلمين أما الفرق السابقة فهم أصحاب الاختلاف العقائدي والسياسي.
وهذا درس بليغ للجماعات المسلمة يتعلم أفرادها كيف يختلفون ومتى وفيم يختلفون، ويبدون الآراء داخل الجماعة المسلمة في إطار احترام ثوابت جماعتهم، أما حين الخروج على الثوابت فلا قيمة لرأي يقال، ولا قضية تناقش.
وبهذا التصور السليم، والفهم الصحيح للثوابت والمتغيرات، تصبح الثوابت بمثابة القواعد الحاكمة على الأفراد، والإطار الضابط لسلوكهم وتصرفهم والميزان الدقيق الذي يعرف به وجهتهم، بل وبه يتميزون عن غيرهم.
فما هي إذن ثوابت جماعة الإخوان المسلمين التي تميزهم عن غيرهم، كما تبين لنا من فكر الإمام البنا رضوان الله عليه.