فالدين يدعو إلى الجماعة ويكره الشذوذ، فيد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، ولا صلاة لمنفرد خلف الصف ولا لمتقدم عليه، والمؤمن للمؤمن كالبنان يشد بعضه بعضاً، والتعاون على البر والتقوى فريضة من فرائض الدين والتواصي بالحق والصبر أشد شروط النجاة من خسران الدنيا والآخرة.
والواقع يحتم أن يكون العمل المثمر جماعياً، فاليد الواحدة لا تصفق، والمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، ضعيف بمفرده، قوي بجماعته، والأعمال الكبيرة لا تتم إلا بجهود متضافرة، والمعارك الحاسمة لا يتحقق النصر فيها إلا بتضام الأيدي وتعاضد القوى، كما قال القرآن (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيانñ مرصوص( [الصف: 4] يؤكد هذا: أن القوى المعادية لرسالة الإسلام وأمته، لا تعمل بطريقة فردية، ولا في صورة فئات مبعثرة، بل تعمل في صورة تكتلات وتجمعات منظمة غاية في التنظيم، لها هياكلها ولها أنظمتها ولها قيادها المحلية والإقليمية والعالمية، ومن الواجب علنياً أن نحارب أعداءنا بمثل ما يحاربوننا به، لا يجوز لنا أن نحارب المدفع بالعصى، ولا الدبابة بالحصان أو البغل، كما لا يجوز لنا أن نقاوم العمل الجماعي بالعمل الفردي، والعمل المنظم بالعمل المبعثر، فالفوضى لا تقاوم النظام، والفرد لا يقاوم الجماعة، والحصاة لا تقاوم الجبل.
والقرآن الكريم يحذرنا من ذلك حين يقول: ( والّذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنةñ في الأرض وفساد كبير( [الأنفال: 73] ومعنى (إلا تفعلوه( أي إن لم يوال بعضكم بعضاً ويساند بعضكم بعضاً، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير وأي فتنة وأي فساد أكبر من أن تتجمع قوى الكفر وتتفرق قوى الإسلام، وأن يتلاحم الباطل، ويتمزق الحق، فهذا هو الخطر الكبير والشر المستطير.