إن التطور العصري الجديد ليس قادراً على هضم هذه المعاني التربوية التي يقوم عليها البناء، وربما يقول بعض الناس ما لهذا كله والحضارة الإسلامية؟ ذلك لأن التعاليم الأوروبية وربما الحياة الأوروبية والفكر الأوروبي حال بينهم ويبن فهم مقومات الحضارة الإسلامية، وأن هذا الذي نقوم هو أساسها بل وسداها ولحمتها، فإذا خلت هذه المعاني من أمة فقد تودع منها.
إن التقدم في الأحوال السياسية والاقتصادية التي بهرت كثيراً من الناس، حين انفصلت العلوم والمعارف عن الأخلاق والعقائد والقيم، حتى أصبحت عند غيرنا ثقافة وحضارة، وهي بالنسبة لنا دين نتعبد به لتقوم حضارتنا على الإيمان والأخلاق السابقين، مع الترحيب بكل جديد في العلوم والمعارف والمخترعات، لأن الجديد عندنا ليس في ثوابتنا ولا في قيمنا ومعتقداتنا، إن التجديد عندنا له منطلقاته الإسلامية، وهي فكرة نرحب بها ولا نحاربها، ولسنا الذين اخترعنا كلمة التجديد، فالذي شرع لنا التجديد هو رسول الله ( في حديثه الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم وصححه عدد من العلماء "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فالتجديد الديني مشروع ولكن لابد أن يكون بعيداً عن الثوابت وله أصول وضوابط، فمن يجدد ويغير؟ وما الذي يتجدد ويتغير؟.
يجب تجديد دين الأمة، وتجديد فهمها، لتفهمه الفهم الصحيح وتجديد إيمانها به، بحيث لا يكون مجرد شعار يرفع أو دعوة تدعى، وتجديد علمها بهذا الدين، والتزامها به حتى يصبح الإسلام جزءاً من حياتها، تحيا به وتدعو إليه دعوة تعايش العصر، وتواكب التطور، وتستخدم أساليب الزمن، وتخاطب كل قوم بما يناسبهم، فهذا هو التجديد الذي يربى عليه الأفراد، أما ثوابتنا فلا جديد فيها ولا تجديد لها وهذا ما فعله الإمام البنا رحمه الله في زمانه.
لقد أقيمت الدولة في الإسلام بجهد بشري عبر عملية تربوية طويلة متدرجة، تم خلالها صياغة مجتمع متكامل – كيان أمة- انطلاقاً من عقيدة التوحيد الجامعة، التي رسمت الخطوط الأساسية، والأطر العامة التي يُهتدى بها في عملية تأسيس البناء داحضة مبادئ النظم وقواعدها ومحددة مجالات الممارسة والحركة، لتكون الدولة نتاجاً ومحصلة طبيعية لهذا المجتمع العقيدي.
إن جوهر وظائف الدولة الإسلامية، هي القيم الإسلامية الأساسية، فتحقيق وممارسة تلك الوظائف بمثابة إنجاز وتحقيق للمقاصد الشرعية، وبديهي أن المقاصد الشرعية مشتقة نم القيم الأساسية، والقيم لا تتحقق إلا برجال آمنوا بفكرتهم ودعوا لها وضحوا من أجلها.
من أجل ذلك كانت التربية ونبذ العنف هما سبيلنا إلى التغيير.