وإسلامنا لا يقوم صراحة إلا على كواهل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، عظمت الآخرة في نفوسهم فلا يعملون إلا الطاعات، وصغرت الدنيا في أعينهم فلا تفتنهم الشهوات، وتحقق اليقين في قلوبهم فلا يتأثرون بالشبهات، فصفت نفوسهم، وطهرت قلوبهم، وسلمت صدورهم، ورجحت عقولهم، وصحت أعمالهم وقالوا: (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين( [آل عمران: 53].
فأقبلوا على الله بهمة عالية، وإرادة قوية، وعزيمة فتية، وتصميم لا يلين، تدفعهم عقيدتهم، وتوجههم تصوراتهم، فحققوا فكرتهم على أرض الواقع، لأن الفكرة لا تصبح حقيقة واقعة إلا إذا قوى الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل صاحبه على التضحية والعمل لتحقيقها.
والفكرة الجيدة يتوقف نجاحها على أمور ثلاثة:
أن يتصورها معتنقوها تصوراً "واضحاً".
أن يؤمن بها أصحابها إيماناً "عميقاً".
أن تجتمع قلوب أهلها اجتماعاً "قوياً".
فيترجموها على أرض الواقع حتى تصبح حياة معيشة.
وتحتاج الفكرة الصحيحة إلى شخصية إسلامية متفردة تسير وفق منهاج رباني، لا يأتيه الباطل من بين يديها ولا من خلفها، تنزل من حكيم حميد، تضع هذه الشخصية نصب أعينها الأسوة الحسنة وخير قدوة محمداً ( الذي حدد لها تفاصيل طريق العمل، ودلها على الحلال فاتبعته، وعلى الحرام فاجتنبته، وعلمها أن الشر والخير فتنة فصبرت عليه، فهي شخصية فاعلة ولها دورها الأساسي في بقاء المجتمع إذ هي أداة التغيير ووسيلة الإصلاح.
إن الرسول ( بين لنا أنه حين تشتد مصائب الأمة ويتواصى أهل الكفر عليها لا ينقذها إلا رجل، فرد مسلم هو صاحب هذه الشخصية الفذة الملهمة فيقول ( : "إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصلح أمر هذا الدين".
إنه فرد مسلم رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد ( نبياً ورسولاً، يلتزم بكل ما أمر الله به، فيعمل على تطبيقه فيخرج من حظ فسه وهواه ويصطبغ بصبغة الله حتى يقول بيقين: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين (162) لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين( [الأنعام: 162،163].
إنه لي يحقق ذلك يحتاج إلى قهر هذه النفس فيملكها، ويحسن قيادتها حتى يشعر بأن نفسه التي بين جنبيه ليست له، بل هي وديعة يصرفها صاحبها كيف يشاء ويأخذها أنّى شاء.
هذا الشعور يولد عنده انتماء لدينه يدفعه للالتزام بمنهاج الله في حياته، حتى يكون هواه تبعاً لما جاء به المصطفى (، فيتقن رسالته التي خلقه الله لها، بل يتعدى ذلك إلى حبها حباً جماً لأنه يرجو أن يلقى الله وهو عنه راض.
إنها شخصية فعالة تؤمن بما تقول وتعتقد، عملها مبني على الدراسة والتطبيق لمنهج النبوة الذي يجعل للعمل هدفاً وغاية، ليصبح للحياة معنى ورسالة.