إن العمل الذي يقوم به الإنسان – مهما كان حجمه أو غرضه – لابد له من قاعدة نفسية نابعة من القلب والوجدان، لكي يصل بمن يقوم به إلى الغاية التي يصبو إليها أو يخطط لها، فإذا لم يكن عند الإنسان مثل هذه القاعدة الأساسية، فإن كل الجهود التي ينفقها في عمله ستذهب هدراً، ويكون مآلها الضياع والخيبة والفشل، ولن ينال صاحبها من ورائها إلا التعب ثم مواجهة السراب الذي لا يغني من الواقع شيئاً.
لأن الإنسان ينظر إلى ما يقوم به من أعمال من خلال الغاية التي يتوخاها، أو الهدف الذي يرنو إليه لذلك فإن همه أولاً وأخيراً تحقيق ما أخذ نفسه به من دقائق الأمور أو جلائلها، دون أن يأخذ في الاعتبار الصعوبات والمتاعب التي تكتنفه في عمله أو تنتظره في جسده، أو تواجهه في مسيره، لأن من عرف ما طلب هان عليه ما وجب، فهو يوقن أن الإنسان الذي يضع نصب عينيه هدفاً ثابتاً مهما كانت أبعاد هذا الهدف أو حدوده، فإنه لا يمكن أن يسقط من حسابه الجهود التي تفصل بينه وبين هذا الهدف، وما تقتضيه هذه الجهود من معاناة في الوقت والجسم والذهن، وقد تصل هذه المعاناة إلى مال الإنسان وحياته قبل وصوله إلى مأربه، فليس له أن يفاجأ بما يلاقيه من البأساء والضراء وهو في سبيله إلى ما يريد، ولذلك قال رسول الله ( "حفت الجنة بالمكاره ولا أحسب الجنة هنا إلا المطلب الأسمى الذي تتطاول إليه آمال البشر، وليست المكاره التي حفت بها إلا الجهود التي كُتب على الناس أن يعانوها قبل أن تتحقق هذه الآمال.