إذا تتبعنا رأي الفقهاء والمفكرين والمجتهدين المحدثين والمعاصرين نجد أنهم قد انتهوا إلى إلزامية الشورى للمسؤول، بعد صدورها عن المجالس المختصة، والهيئات المعنية مستأنسين بالنصوص الواردة في المصدرين الأساسيين، القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ففي القرآن الكريم وردت آيتان كريمتان حول الشورى. الأولى (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله) [آل عمران: 159].
والبعض يفهم من هذا أن الإمام يستشير ثم بعد ذلك يعزم، على ماذا يعزم؟ على تنفيذ رأي لا يراه؟ أم على رأي يخالف فيه أهل الشورى والاختصاص والدراية بمجموعهم أو بجمهورهم؟ إن الشورى لا تتناقض مع العزم بعد أن يتضح الأصوب والأصلح.
والآية الثانية تصف أمر المؤمنين في حياتهم وفي صلاتهم وعلاقاتهم، وفي صميم شئونهم بأنه يقوم التفاهم والتشاور وصولاً إلى الأمثل والأفضل.
وأما في السنة وهي الأصل الثاني أو الأساس الثاني في الإسلام فنجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذهب في الشورى مذهباً بعيداً، إذ كان كثير الاستشارة لأصحابه ولآل بيته، وللرجال والنساء وللكبار والصغار ولعامة الناس بأشكال مختلفة وطرق متنوعة، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم سواد الناس على المشاركة والتفكير وتحمل المسؤولية.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمر: لو اجتمعتما على أمر ما خالفتكما، وفي هذا إشارة واضحة إلى مبدأ الأكثرية، فإذا وجد ثلاثة والتقى اثنان منهما على رأي، فما على الثالث إلا أن ينزل على رأي صاحبيه، هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نبي مرسل يوحى إليه، وذلك تأصيلاً للشورى والمشاركة، وإشارة إلى مفهوم الأكثرية، فكيف يكون موقف المسؤولين في الحكومات والأحزاب والشركات وهم ليسوا أنبياء ولا يتنزل الوحي عليهم؟ž!.
وفي العادة تتقلص دائرة الشورى، ويضيق هامشها في إبان الحروب جراء الظروف التي لا تسمح باتساع دائرة الحوار، ومع ذلك وحرصاً من الرسول الكريم على تثبيت هذه الدعامة في حياة المجتمع الإسلامي، فإنه صلى الله عليه وسلم في أثناء الحروب التي خاضها المسلمون في بدر وأحد والخندق استشار أصحابه، ونزل على آرائهم دون أن نرى في كتب السيرة أنه صلى الله عليه وسلم عاتب أصحابه على آرائهم التي لم تؤد إلى النتيجة التي كانوا يتوخونها، فلم يقل لهم: أرأيتم عندما تحمستم للخروج من المدينة إلى أحد، وخالفتم رأيي ماذا حل بكم؟ كيلا يتقلص تفكيرهم، وحتى لا تضيق دائرة مشاركتهم، لأنهم كانوا يصدرون فيما ارتأوه عن إخلاص واقتناع.