الشورى قيمة إسلامية عليا ، وفريضة شرعية ، وأمر معلوم من الدين بالضرورة، فهي واجبة الأداء سواء أكانت معلمة أم ملزمة، لأن الله أمر بها كما أمر بالصلاة والزكاة في آية واحدة، فهي بمنزلة الفرائض لذلك أمر الله رسولنا بهذه الفروض الثلاثة مجتمعة مبلغاً عن ربه منذ فجر الدعوة إذ قال الله تعالى: ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون( [الشورى: 38] وهذه الآية من الآيات المكية، وقد جاء الأمر فيها بالشورى مجملاً، كما جاء الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مجملاً، جاءت سنة رسول الله لتبين الممارسة العملية للشورى، وكان رسول الله ( غنياً عنها لأنه موحى إليه من ربه وذلك في غير ما نزل به نص قطعي الدلالة، امتثالاً لأمر الله تعالى، وتعليما للمسلمين وإرشاداً لهم. وقال فيما رواه الترمذي: "إذا كان امراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم، وأمركم شورى بينكم، فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان امراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها".
والشورى هي الطريقة التي شرعها الله تعالى لصنع واتخاذ قرارات في كل المستويات، فأي قرار يتخذ لتنعكس آثاره على غر متخذ القرار على مستوى الأمة أو دون ذلك، أو على مستوى الأسرة أو أعلى من ذلك، أو حتى على مستوى المشروع الخاص فينبغي أن يكون نتاج المشاورة، لعموم قول الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم( [الشورى: 38].
فالشورى تعني مناقشة وتقليب النظر في أمر من الأمور العامة، أو شأن من شؤون الأمة، أو البحث في إحدى القضايا ذات الصلة والمساس بمصالح الشعب أو الوطن، وتمحيصها من المفكرين والعلماء وأصحاب المشورة للوصول إلى الأفضل والأصوب والأقرب إلى تحقيق مصالح البلاد والعباد.
لهذا كله فقد أنزلتها الرسالة الإسلامية منزلة عظيمة، وبوأتها الشريعة السمحاء مكانة كبيرة في أصول التشريع، وخص الكتاب المبين الشورى بإحدى سوره الخالدات، واعتبر الالتزام بأحكامها والتخلق بآدابها من مكونات الشخصية الإسلامية، ومن صفات المؤمنين الصادقين، وتأكيداً على أهمية الشورى وردت في القرآن مقرونة بفرائض عينية لا يتم الإسلام ولا يكتمل الإيمان بدونها، كالصلاة والإنفاق واجتناب الفواحش، فقال جل شأنه: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون (37) والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون( [الشورى: 37، 38].
وهكذا دخلت أحكام الشورى وآدابها في حياة الفرد والأسرة، وفي العبادات والمعاملات، فالآية من سورة البقرة تشير إلى شأن من شئون الأسرة الخاصة بالزوجين فتقول: (فإن أراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما ) [البقرة: 233].
وقد أكثر المفسرون والفقهاء والحكماء من التحدث عن الشورى ومكانتها وتأثيرها في كتب التفاسير والأحكام السلطانية والسياسية الشرعية، حق اعتبرها كبار المصلحين ظاهرة صحيحة ودليلاُ ساطعاñ على رقي المجتمع وازدهاره، كما اعتبروا غيابها دليلاُ على فشو الظلم والاستبداد .
فالخليفة العادل عمر بن الخطاب يقول: ( لا خير في أمر أبرم من غير شورى ) .