فعبادة ربنا، والجهاد في سبيل التمكين لديننا، وإعزاز شريعتنا، هي مهمتنا في الحياة، لهذا المعنى جاء في أوصاف صحابة محمد ( وهم صفوة الله من خلقه بعد أنبيائه ورسله، والسلف الصالح من عباده: "رهبان بالليل، فرسان بالنهار" كان المسلمون يفهمون هذا قديماً، ويعملون له، ويحملهم إيمانهم على التضحية في سبيله، وبهذا دعا إلينا مجدداً هذا الفهم.
ونحن حين نبين ذلك يجب أن نشير إلى ما يميز هذه الدعوة عن غيرها من الدعوات فهي:
ربانية في مصدرها لأنها وحي من عند الله.
وسطية في اختيار الله لها.
إيجابية في نظرتها للكون والإنسان والحياة.
واقعية حين تتعامل مع الفرد والمجتمع.
أخلاقية في غايتها ووسائلها.
شمولية في منهاجها.
عالمية في الدعوة إليها.
شورية في الحكم بها.
جهادية في تربيتها لتحمى طريقها حين يعتدى عليها.
سلفية الفكر والتصور والاعتقاد.
هذه دعوتنا بدينها ودنياها، بمشاعرها وشعائرها وشرائعها، بنظامها وأخلاقها نحملها بيقين صادق، وإيمان عميق، وحب وثيق، لا لبس فيها ولا غموض أوضح ما تكون، ليراها الناس على حقيقتها، فالله هو الغاية، والرسول هو القدوة، والقرآن هو الدستور، والجهاد هو السبيل، والموت في سبيل الله هو أسمى الأماني، وهذا كله من ثوابت دعوتنا، فالإخوان المسلمون يعتقدون أن منهج الإسلام ينظم الحياة جميعاً، ويفتى في كل شأن من شؤونها، ويضع لها نظاماً محكماً دقيقاً، ولا يقف مكتوف الأيدي أمام المشكلات الحيوية والنظم التي لابد منها لإصلاح الناس، فهو ليس مقصوراً على ضروب العبادات، أو أوضاع من الروحانيات كما فهمه بعض الناس لكننا – كما يقول الإمام البنا- نفهمه على أنه ينظم شؤون الدنيا والآخرة وهو يصلح الزمان والمكان، ويسعد الناس أجمعين حين يصبح منهج حياة في واقع حياتهم.
لقد نهج رضوان الله عليهم نهج السلف الصالح، ودعا بدعوته فأحيا قديماً كاد الناس أن ينسوه، وأعاد للعقول منهاجاً في التفكير الإسلامي السليم، ومن يومها مضت هذه اليقظة الإسلامية – التي أرشدها الإمام البنا إلى ثوابت الإسلام ومتغيراته كمنهج أصيل للمسلمين ليس لنا الخيرة فيه، وانطلق بأتباعه إلى ميادين الحياة المختلفة بشتى أنواعها ليحقق الشمول، وليعيد صياغة العقول من جديد صياغة إسلاميةº ليصونها من الغزو الفكري، والنهج الغربي والنظرة الجزئية، ليستعيد المسلم تصوره السليم وتفكيره المنضبط الذي سبه به من قبل رجال نهلوا من نبع المصطفى ( ونهجه، فبنوا به حضارة وأقاموا نظاماً، وأرسو قيماً بفهم دقيق استطاعوا أن يستعيدوا به قدرته على المقاومة والدفاع عن دينهم وعقيدتهم بتضافر الجهود، وتوحيد الصفوف، والاجتماع على الأهداف السامية.
وها هي ذا آية واحدة من كتاب ربنا تبين بوضوح وجلاء هذا الشمول الذي أشرنا إليه بعقيدته وعبادته ونظامه الشامل، يتضح ذلك في قول ربنا: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون( [البقرة: 177] فهذه آية واحدة تشير إلى الشمول في الإسلام تضمنت العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات، لهذا كان الإمام البنا دائماً ما يردد: الإسلام دين ودولة.
وإن تعجب فأعجب لقوم يؤمنون بأن تقوم دولة على التوراة في فلسطين الحبيبة، وتقوم دولة على الإنجيل في الفاتيكان ودولة على الإلحاد في روسيا والصين، بل على البوذية والهندوسية، ولا تقام على القرآن. إن هذا لشيء عجاب.. هذا هو الذي دعا للعودة إليه الإمام البنا للإسلام –بوجه عام- وهذا ما آمن به كل من دعا بدعوته وضحى من أجله. ولكي يحافظ الأتباع على هذا الفهم حتى لا ينحرف به أحد أو يشوهه مغرض أو ينأى به متحمس، وحتى لا يعرف الأصيل من الدخيل والمتبع من المبتدع وحامل الفكرة من مشوهها كان لابد من أن يكون هذا الفهم من ثوابت الدعوة الأصيلة ومعلماً من معالمها التي تعرف بها بل تنتفى سلامها وعافيتها ويضطرب مسيرها وتزل قدمها بعد ثبوتها، ويخشى من ذوبانها وعدم دوامها واستمراريتها إذا حادت عن الفهم.
بهذه الثوابت ننطلق ونقوّöم عملنا على أساسها، ونفئ إليها عند الاختلاف ونفاصل على أساسها من أرادها بسوء، ونتغافر فيما سواها ونتعاون مع يرنا ومن يخالفنا مادام يحترم ثوابتنا ولا يعمل على استئصالها. ولذلك فهي التي تميزنا عن غيرنا من الدعوات الإصلاحية الجزئية.
إنه المنهج الذي يسوس الدنيا ليسعد الخلق فيها، قبل أن يلتقوا بالخالق، فهو دين ودولة، وصدق أبو حيان التوحيدي حين قال: إن الشريعة متى خلت من السياسة كانت ناقصة والسياسة متى عريت من الشريعة كانت ناقصة.